درش!
قبل الساعة الثالثة عصراً من ثاني أياما رمضان صيف 2020، تسلل مصطفى لاهثًا من شدة حرارة شهر يوليو إلى مطعم "عيسى العوام" متلفتاً حوله بشكل مثير للريبة في محاولة أقرب للهروب من متابعين وهميين صنعهم عقله الباطن، حتى وقع نظره على أصغر طاولة في ركن المطعم الشبه خالي من الزبائن فيما عدا طاولتين تحتل إحداها شابة يافعة في منتصف العمر، والأخرى لأسرة صغيرة بدا عليها الوجوم وكأنها معتادة بشكل روتيني في مثل تلك الأثناء على تلك الطاولة المفضلة قرب نافذة المطعم المطلة على شارع أحد أحياء القاهرة العتيقة.
دقائق معدودة مرت على مصطفى وهو يتطلع الى نهاية صالة المطعم بشكل يوحي بنفاذ الصبر في محاولةً منه للفت انتباه النادل وحده دون غيره من الزبائن حتى لا يلتفت اليه احدهم فيشعر بالحرج، حاله كحال من يستعد لطلب أحد العقاقير الممنوع تداولها للجمهور في الصيدليات، حتى لاحظ النادل أخيراً تلك اليد الملوحة إليه ومن خلفها ذلك الوجه الشاحب لشاب ثلاثيني والذي لازال يجفف عرقه بيده الأخرى، فالتفت النادل للرف المكدس عليه قوائم الطعام وسحب إحداها مسرعاً خطاه نحو مصطفى بشكل يوحي بالاهتمام إلى أن وصل إلى طاولة الأخير، ودار بينهما الحوار التالي والذي بدأه النادل بتحية عميله بابتسامة ودودة مرحبة وهو يقدم له قائمة الطعام.
النادل: مساء الخير، من الواضح ان الجو صعب في الخارج.
مصطفى: مساء الخير، نعم وكانه يوم القيامة.
النادل: حمداً لله على سلامتك، كيف أقوم بخدمتك؟
مصطفى (وهو يزيح قائمة الطعام جانبًا): اعفيني من قوائم الطعام، أخبرني بما لديكم من أسماك.
مصطفى (وهو يزيح قائمة الطعام جانبًا): اعفيني من قوائم الطعام، أخبرني بما لديكم من أسماك.
النادل: تقريباً كل الأنواع يا سيدي، بلطي، بوري، مرجان، دنيس، قاروص، كاليماري، جمبري وغيره...
مصطفى: حسناً، أحضر لي نصف بلطي بالأرز والاطباق الجانبية.
النادل: كما تأمر، أي شيء آخر؟
مصطفى: زجاجة مياه مثلجة.
النادل (وهو منهمك في كتابة طلب مصطفى): أكتب الفاورة بإسم أستاذ...؟
مصطفى: مصطفى.
النادل (بعد نظرة ضات مغزىً صائحاً بصوت مرتفع ليصل إلى مطبخ المطعم): نصف بلطي بمشتملاته، طاولة أربعة عند أستاذ مصطفى.
مصطفى (بعد أن بدا عليه الانزعاج حينما التفت له بعض أفراد أسرة الطاولة المقابلة): ألا يكون أفضل لو أخذت ما كتبت للمطبخ بنفسك؟
مصطفى (بعد أن بدا عليه الانزعاج حينما التفت له بعض أفراد أسرة الطاولة المقابلة): ألا يكون أفضل لو أخذت ما كتبت للمطبخ بنفسك؟
النادل (بنظرة تعجب مصطنعة): ولم ذلك يا سيدي؟
مصطفى: وكأنك لا تعلم لم ذلك، نحن في رمضان!
النادل: آه حسنًا ولكنك لم تطلب لحم خنزير!
مصطفى: هل تعتقد أن الأسماك ليست من ضمن المفطرات؟
النادل (مقترباً من مصطفى، مشيراً بعينيه تجاه الأسرة على الطاولة المقابلة هامساً): سيدي، هل ترى تلك الأسرة هناك؟
مصطفى (بنظرة خاطفة): ماذا بها؟
مصطفى (بنظرة خاطفة): ماذا بها؟
النادل: بقد تعرفت على أستاذ محمود رب الأسرة هناك منذ أكثر من عام تقريباً في نفس الموعد، والمفترض أيضاً أنهم صائمون ولكنهم تقريباً يأتون هنا بشكل شبه أسبوعي لأنهم يعلمون أننا احد المطاعم القليلة المتاحدة لتقديم الطعام في تلك الأثناء والوقت من السنة، وفي نفس المواعيد تقريباً إلا أننا نقوم على خدمتهم بـ
مصطفى مقاطعاً): و؟
النادل: ما أريد أن أقول يا سيدي أنك لست وحدك، وهذا شائع تحديدًا في مطعمنا هذا.
مصطفى (وهو يبدو عليه الإستيعاب): حسنًا، كم من الوقت تظن يحتاج الطاهي لإعداد الطعام؟
النادل: أقل من عشرون دقيقة سيدي.
مصطفى: حسناً أتمنى ألا يكون أكثر من ذلك فأنا أتضور جوعاً.
النادل (مبتسماً وهو يتجه لاستقبال زوجين متلفتين حولهم بشكل مثير للريبة في محاولة أقرب للهروب من متابعين وهميين صنعهم عقلهم الباطن): لا تقلق يا سيدي.
مصطفى (ملوحاً بيده في إشارة لتحية محمود الجالس على رأس الطاولة القريبة ومتمتماً بصوت خافت لم يسمعه غيره): "لو كنا نخشى خالق الناس أو حتى ضمائرنا كخشيتنا الناس أنفسهم لما وجد النفاق سبيلاً إلينا"
Copyrights © Ramy Abdeen 2022. All rights reserved.